سورة البقرة - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


صم عن سماع دواعي الحق بآذان قلوبهم، بكم عن مناجاة الحق بألسنة أسرارهم، عمي عن شهود جريان المقادير بعيون بصائرهم، فهم لا يرجعون عن تماديهم في تهتكم، ولا يرتدعون عن انهماكهم في ضلالتهم.
ويقال صم عن السماع بالحق، بكم عن النطق بالحق، وعمي عن مطالعة الخلق بالحق. لم يسبق لهم الحكم بالإقلاع، ولم تساعدهم القسمة بالارتداع.


معنى قوله أو لإباحته ضرب مثلهم إمَّا بهذا وإما بذلك شبَّه القرآن بمطرٍ ينزل من السماء، وشبَّه ما في القرآن من الوعد والوعيد بما في المطر من الرعد والبرق، وشبه التجاءهم إلى الفرار عند سماع أصوات الرعد. كذلك الإشارة لأصحاب الغفلات إذا طرق أسماعَهم وعظُ الواعظين، أو لاحت لقلوبهم أنوار السعادة؛ ولو أقلعوا عمَّا هم فيه من الغفلة لَسَعِدُوا، لكنهم ركنوا إلى التشاغل بآمالهم الكاذبة، وأصروا على طريقتهم الفاسدة، وتعللوا بأعذار واهية، ويحلِفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم، ويسعون في الخطرِ بأيْمانهم:
إن الكريم إذا حباك بوُدِّه *** سَتَرَ القبيحَ وأظهر الإحسانا
وكذا الملول إذا أراد قطيعةً *** ملّ الوِصال وقال كان وكانا


من تمام مثل المنافقين- كذلك أصحاب الغفلات- إذا حضروا مشاهد الوعظ، أو جنحت قلوبهم إلى الرقة، أو داخلهم شيء من الوهلة تَقْرُبُ أحوالهم من التوبة، وتقوى رغبتهم في الإنابة حتى إذا رجعوا إلى تدبرهم، وشاوروا إلى قرنائهم، أشار الأهل والولد عليهم بالعَوْدِ إلى دنياهم، وبسطوا فيهم لسان النصح، وهَدَّدُوهم بالضعف والعجز، فيضعف قصودُهم، وتسقط إرادتهم، وصاروا كما قيل:
إذا ارعوى عاد إلى جهله *** كَذِي الضنى عاد إلى نكسه
وقال: {وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} يعني سمع المنافقين الظاهر وأبصارهم الظاهرة، كما أصمهم وأعماهم بالسر، فكذلك أرباب الغفلة، والقانعون من الإسلام بالظواهر- فالله تعالى قادر على سلبهم التوفيق فيما يستعملونه من ظاهر الطاعات، كما سلبهم التحقيق فيما يستبطنونه من صفاء الحالات.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9